ماذا تعلمت من الكتابة

الاستعداد للمفاجآت  سر الإبداع
من أفضل التعريفات التي قرأتها عن الكتابة هو تعرف الأديب الأمريكي إدجار لورانس دكتورو الذي  قال " إن الكتابة  مثل القيادة  ليلا,  لا تستطيع أن ترى أبعد مما تظهره لك مصابيح السيارة ولكنك تستطيع أن تكمل  الرحلة بأكملها بهذه الطريقة " ,
ولأنني أخاف من القيادة ليلا ولا أحب المفاجآت كنت قبل أن أشرع في كتابة رواية جديدة أقوم بكتابة مخلص لفكرتها وعمل حبكة ورسم شخصيات وترتيب الفصول والأحداث حتى النهاية  لتكون بمثابة خريطة تساعدني على تخيل ما سأكتبه وتحديد وجهتي ورغم ذلك  عندما  أبدأ في الكتابة الفعلية أفاجئ أحيانا أن الكلمات لا تخرج بالصورة التي تصورتها و , أن الشخصيات التي اخترعتها تفاجئني وتقرر أن تتمرد علي وتسير في طريق آخر غير الذي رسمته لها , وبأن الأحداث تقودني إلى مكان مختلف يجبرني على تغيير كل خططي ومحو كل ما كتبته سابقا والبدء من جديد  . هذا الأمر كان يسبب لي الإحباط ويشعرني أنني أضيع وقتي, ولكني بعد ذلك تعلمت أن أكون مرنة في تفكيري و أتخلى عن  هوسي بالتخطيط لكل شيء وأن أتخلى توقعاتي المسبقة و أترك نفسي لاستمتع بمغامرة الكتابة بكل مفاجآتها على أمل أن أخرج منها بنص أدبي مبهر.
الثقة  سر الاستمرار
سواء كنت تؤمن أنك تستطيع  أو لا تستطيع فأنت في الحالتين محق – هنري فورد
مثلما يحتاج قائد السيارة إلى أن يكون واثقا في نفسه حتى يستطيع السير في الطريق فالكاتب يحتاج أن يكون واثقا في موهبته حتى يستطيع أن يكتب,  هناك خرافة شائعة  تقول أنك  لو كنت كاتبا موهوبا فلابد أن تكون  واثقا  من نفسك دائما ولابد أن تكون قادر على الإبداع بسهولة , ولكن الحقيقة هي أن حتى أكثر الكتاب موهبة يبذلون مجهودا مضنيا حتى يستطيعون إنتاج عبارة واحدة وينتابهم  مثل  كل الناس الشك  في موهبتهم والخوف من الفشل والتردد في تنفيذ أفكارهم , هذه المشاعر السلبية  تعطل الذهن عن التفكير والإبداع , والتغلب عليها يأتي بالثقة  , ليست الثقة في موهبتك  فحسب ولكن  في قدرتك على النهوض و تخطي المصاعب والإحباطات , الثقة في قدرتك على ايجاد  الأفكار والكلمات التي تبحث عنها , الثقة في  أن مجهودك سيؤتي ثماره و أن  كتاباتك  ستصل إلى القراء ,  والثقة تعطيك الضوء الذي يساعدك على السير في طريق الكتابة وتساعدك على   فتح  أبواع الإبداع المغلقة.
الانتباه والانصات سر التميز
  الكتابة الأدبية هي  محاولة للإجابة عن أسئلة الحياة الكبرى واستكشاف خبايا النفس البشرية  والتعبير عن البشر , واكثر ما يميز النصوص الأدبية الرائعة هو الوصف الدقيق لشخصيات الناس ومشاعرهم  و تفاصيل حياتهم اليومية, والقدرة على الوصف والتعبير  تأتي  من  قدرة الكاتب على التأمل والانتباه  للآخرين   كما يقول الكاتب الكبير ارنست  هيمجنواي  في نصائحه للكتاب الجدد التي قمت بترجمتها هنا , لقد تعلمت من الكتابة أن أكون مستمعة وأن أنصت إلي الناس بدون  أحكام مسبقة  وأترك لهم   الفرصة للحديث  عن أنفسهم والتعبير عن مشاعرهم  وأراءهم  حتى استطيع أن أعبر  عنهم بصورة أفضل في كتاباتي.
الصدق  سر النجاح  
عندما تأملت  قائمة الأعمال  الأدبية  المفضلة  اكتشفت أنني لم أحب تلك الأعمال لأنها مليئة  بالمحسنات البديعية والعبارات الفخمة المنمقة والتشبيهات المميزة , أو لأنها تحتوي على مفاجآت مثيرة أو أحداث مشوقة , لكني أحببتها لأنها   لسمت قلبي وحركت مشاعري  أو تحدت المسلمات التي أؤمن بها  وحفزتني على  التفكير أو جعلتني أرى الحياة بصورة جديدة مغايرة , الكتب  التي أثرت في نفسي وبقيت  في ذاكرتي هي الكتب  التي شعرت  أن كاتبها  صديق  مقرب يتحدث معي بصراحة ويخبرني بالحقيقة كما يراها ,  ويكتب  ما  أفكر فيه وأخشى الإعلان عنه ويجبرني  على مواجهة نفسي وعلى تغيير حياتي للأفضل.
ولكن هذه النوعية من الأعمال الأدبية قليلة جدا والسبب أن  كثير من الكتاب يخشون قول الحقيقة و التعبير عن أنفسهم بصدق لأنهم  يعتقدون أن ما يريدون كتابته ليس ما يريد الناس قراءته , كما أنهم يخافون  من عواقب الاصطدام بالمحظورات السياسية والاجتماعية  فيفضلون السير  بجوار الحائط ويكتبون ما يوافق معتقدات العامة ,  ويخضعون للآراء السائدة   ويكتبون أعمالا تجارية  تحقق لهم النجاح السريع , وربما تكون كتبهم جيدة من الناحية الفنية ولكنها ليست عظيمة لأنها مصنوعة وليست حقيقية إنها لم  تنبع من داخلهم حقا ولم تعبر عن مبادئهم وقناعاتهم لأنهم كتبوها من أجل الناس وليس من أجل أنفسهم. أما الكتاب الذين يتملكون الشجاعة على قول الحقيقة والتعبير عن أنفسهم بصراحة وصدق فإنهم يستطيعون أن يصلوا إلى عقول وقلوب القراء, فالعمل الأدبي الأكثر صدقا هو الأكثر تأثيرا والأطول عمرا.

No comments

يمكنك أن تقرأ أيضا

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...