لعنة الكتابة

استيقظ في الصباح,  أتظاهر أنني متحمسة لبدء اليوم, أجلس أمام الكمبيوتر, أفتح ملف روايتي الجديدة, أعاهد نفسي أن أكتب ثلاث صفحات  على الأقل , أقرأ ما كتبته سابقا , أفكر في الأحداث الجديدة, أحاول أن أصيغ الكلمات في عقلي لكي أكتبها  , تخرج الكلمات من عقلي بصعوبة , الجمل ليست مكتوبة بشكل جيد  ولكن لا يهم , سأعيد مراجعتها وتحسينها , تمر ساعتين , لا أستطيع ان أكتب أكثر من صفحة  , أشعر بالإرهاق الشديد  كأنني قضيت كل هذا الوقت في تسلق جبل شاهق  , أفكر في السنوات الطويلة التي قضيتها في الكتابة وفي الصراع الذي خضته وفي  المعاناة الشديدة التي تعرضت ولازلت أتعرض لها حتى أنشر كلماتي, أفكر في روايتي الأخيرة  التي لا تزال حتى اليوم حبيسة الأدراج في دار النشر  ولا أعرف  متى  سترى النور يوما ما , أفكر في روايتي الأولى التي  دفعت آلاف الجنيهات حتى أستطيع أن أنشرها ولا أعرف إذا سأستطيع يوما ما أن أسترد نقودي , أفكر في كل من استهزأوا بي ومن انتقدوني ومن سخروا مني ومن تجاهلوني ومن قالوا لي  " شوفي لك شغلانة تأكلك عيش " , أفكر في نظرات الشفقة والرثاء التي أراها في عيون أبي وأمي,  يمتزج داخلي الشعور بالحزن والألم والمرارة , يهمس نفس الصوت الكئيب الآمر في أذني  "    لماذا تواصلين  هدر وقتك ونقودك وصحتك وأعصابك  من أجل السعي وراء وهم , الكتابة ليس من ورائها  أي جدوى , إنها لا تغير الواقع ولا توقظ العقول لأن  أغلب الناس في بلدك  لا يقرأون  , هل تعتقدي   حقا أنك  قادرة على تغيير العالم , هل تعتقدي أنك قادرة على  الوصول للمجد  الأدبي, أفيقي أيتها  الساذجة وتذكري أنك فتاة تعيش في مصر  ,أنت  بمفردك تماما ليس لديك واسطة  ولا تنتمين للشلل الأدبية , لا تملكين إلا قلمك , وقلمك بمفرده  لن يساعد على الصمود في عالم الأدب , سينتهي بك الأمر إلى الضياع في زحام الكتب والكتاب  , لماذا تقضين وقتك في القيام بشيء لن يدر عليك أي عائد مادي أو معنوي, لماذا تصرين على اختيار  الكتابة كطريق لك ؟
 أفكر في موضوع الاختيار ,  هل أنا فعلا اخترت الكتابة بمحض إرادتي ؟   كنت أتمنى أن أملك مواهب أخرى كثيرة ؟ كنت أتمنى أن أكون قادرة على حل المسائل الحسابية والفيزيائية بسهولة  ولكن للأسف عقلي يتوقف عن العمل عندما يصطدم بالأرقام ,   كنت أتمنى أن أكون قادرة على فهم برامج الكمبيوتر المعقدة وأن أتمكن من البرمجة  بسهولة  , كنت أتمنى أن أكون موهوبة في الرسم أو في الموسيقى  بشكل عام ؟ كنت أتمنى أن أملك عشرات المواهب والقدرات ولكني للأسف الشديد لا أجيد التعبير عن نفسي إلا بطريقة واحدة ألا وهي الكتابة . فكيف  أكون اخترت طريق الكتابة ؟ يبدو أن الإنسان يتوهم عندما يعتقد أنه يختار أي شيء في حياته في حين أنه لا يختار سوى قدره.
أفكر في أيام زمان , عندما كنت استمتع بالكتابة لأنني لم أكن أنتظر أن يقرأ لي أحد ولم أكن أبحث عن طريقة للنشر  , أفكر في نصيحة إحدى صديقاتي بأن أكتب لنفسي فقط  من أجل المتعة ولا أهتم بالجمهور ولا أفكر في النشر , إنها نصيحة جيدة  , بالطبع يمكن أن   أكتب خاطرة أو مقال صغير أو قصة قصيرة من أجل "  نفسي " , ولكن هل يمكن أن أكتب رواية مكونة من  200 أو 300 صفحة من أجل "  نفسي "  , هل يمكن أن  أقضي ساعات   طويلة أجري بحوث   وأقرأ بعمق في موضوع معين وأفكر في حبكة وأرسم شخصيات وأكتب حوارات وأحداث  وأعدل وأصحح  من أجل " نفسي  " , إذا أردت أن أنسى وجود الجمهور علي أن أتوقف عن السعي وراء نشر كتاباتي  وأكتفي بالاحتفاظ بما أكتبه لنفسي حتى أقرأه لمتعتي الشخصية  , لا , إنني لن أستطيع أن أفعل ذلك  , إذن علي أن أريح عقلي وأوقف معاناتي  وأتوقف عن الكتابة تماما , ليت القرار كان بهذه السهولة , لقد   توقفت من قبل ولم أشعر بالراحة بل شعرت بالذنب , شعرت أنني أهدر موهبتي و  اتخلى عن الشيء  الوحيد الذي أتقنه واعلن انهزامي واستسلامي للواقع القاتم   ,  وعندما قررت أن أستمر شعرت بالذنب أيضا , شعرت أنني أسير وراء سراب ,  أفني عمري  لكي أسير في طريق وعر من أجل لا شيء , ولكني يجب أن أتخذ القرار النهائي , يجب أن أوقف هذا الصراع الأبدي , يجب أن أنقذ نفسي من لعنة الكتابة , اه , صداع شديد يعصف برأسي , أتضرع  إلى الله حتى يزيح عني الألم ويلهمني الصواب ويرشدني إلى الطريق الصحيح ,  أغلق الكمبيوتر  وأتوجه إلى فراشي وأدس رأسي في وسادتي وأتمنى أن أنام للأبد . 

ياسمين خليفة 5/07/2015
ماذا تعلمت من الكتابة

الاستعداد للمفاجآت  سر الإبداع
من أفضل التعريفات التي قرأتها عن الكتابة هو تعرف الأديب الأمريكي إدجار لورانس دكتورو الذي  قال " إن الكتابة  مثل القيادة  ليلا,  لا تستطيع أن ترى أبعد مما تظهره لك مصابيح السيارة ولكنك تستطيع أن تكمل  الرحلة بأكملها بهذه الطريقة " ,
ولأنني أخاف من القيادة ليلا ولا أحب المفاجآت كنت قبل أن أشرع في كتابة رواية جديدة أقوم بكتابة مخلص لفكرتها وعمل حبكة ورسم شخصيات وترتيب الفصول والأحداث حتى النهاية  لتكون بمثابة خريطة تساعدني على تخيل ما سأكتبه وتحديد وجهتي ورغم ذلك  عندما  أبدأ في الكتابة الفعلية أفاجئ أحيانا أن الكلمات لا تخرج بالصورة التي تصورتها و , أن الشخصيات التي اخترعتها تفاجئني وتقرر أن تتمرد علي وتسير في طريق آخر غير الذي رسمته لها , وبأن الأحداث تقودني إلى مكان مختلف يجبرني على تغيير كل خططي ومحو كل ما كتبته سابقا والبدء من جديد  . هذا الأمر كان يسبب لي الإحباط ويشعرني أنني أضيع وقتي, ولكني بعد ذلك تعلمت أن أكون مرنة في تفكيري و أتخلى عن  هوسي بالتخطيط لكل شيء وأن أتخلى توقعاتي المسبقة و أترك نفسي لاستمتع بمغامرة الكتابة بكل مفاجآتها على أمل أن أخرج منها بنص أدبي مبهر.
الثقة  سر الاستمرار
سواء كنت تؤمن أنك تستطيع  أو لا تستطيع فأنت في الحالتين محق – هنري فورد
مثلما يحتاج قائد السيارة إلى أن يكون واثقا في نفسه حتى يستطيع السير في الطريق فالكاتب يحتاج أن يكون واثقا في موهبته حتى يستطيع أن يكتب,  هناك خرافة شائعة  تقول أنك  لو كنت كاتبا موهوبا فلابد أن تكون  واثقا  من نفسك دائما ولابد أن تكون قادر على الإبداع بسهولة , ولكن الحقيقة هي أن حتى أكثر الكتاب موهبة يبذلون مجهودا مضنيا حتى يستطيعون إنتاج عبارة واحدة وينتابهم  مثل  كل الناس الشك  في موهبتهم والخوف من الفشل والتردد في تنفيذ أفكارهم , هذه المشاعر السلبية  تعطل الذهن عن التفكير والإبداع , والتغلب عليها يأتي بالثقة  , ليست الثقة في موهبتك  فحسب ولكن  في قدرتك على النهوض و تخطي المصاعب والإحباطات , الثقة في قدرتك على ايجاد  الأفكار والكلمات التي تبحث عنها , الثقة في  أن مجهودك سيؤتي ثماره و أن  كتاباتك  ستصل إلى القراء ,  والثقة تعطيك الضوء الذي يساعدك على السير في طريق الكتابة وتساعدك على   فتح  أبواع الإبداع المغلقة.
الانتباه والانصات سر التميز
  الكتابة الأدبية هي  محاولة للإجابة عن أسئلة الحياة الكبرى واستكشاف خبايا النفس البشرية  والتعبير عن البشر , واكثر ما يميز النصوص الأدبية الرائعة هو الوصف الدقيق لشخصيات الناس ومشاعرهم  و تفاصيل حياتهم اليومية, والقدرة على الوصف والتعبير  تأتي  من  قدرة الكاتب على التأمل والانتباه  للآخرين   كما يقول الكاتب الكبير ارنست  هيمجنواي  في نصائحه للكتاب الجدد التي قمت بترجمتها هنا , لقد تعلمت من الكتابة أن أكون مستمعة وأن أنصت إلي الناس بدون  أحكام مسبقة  وأترك لهم   الفرصة للحديث  عن أنفسهم والتعبير عن مشاعرهم  وأراءهم  حتى استطيع أن أعبر  عنهم بصورة أفضل في كتاباتي.
الصدق  سر النجاح  
عندما تأملت  قائمة الأعمال  الأدبية  المفضلة  اكتشفت أنني لم أحب تلك الأعمال لأنها مليئة  بالمحسنات البديعية والعبارات الفخمة المنمقة والتشبيهات المميزة , أو لأنها تحتوي على مفاجآت مثيرة أو أحداث مشوقة , لكني أحببتها لأنها   لسمت قلبي وحركت مشاعري  أو تحدت المسلمات التي أؤمن بها  وحفزتني على  التفكير أو جعلتني أرى الحياة بصورة جديدة مغايرة , الكتب  التي أثرت في نفسي وبقيت  في ذاكرتي هي الكتب  التي شعرت  أن كاتبها  صديق  مقرب يتحدث معي بصراحة ويخبرني بالحقيقة كما يراها ,  ويكتب  ما  أفكر فيه وأخشى الإعلان عنه ويجبرني  على مواجهة نفسي وعلى تغيير حياتي للأفضل.
ولكن هذه النوعية من الأعمال الأدبية قليلة جدا والسبب أن  كثير من الكتاب يخشون قول الحقيقة و التعبير عن أنفسهم بصدق لأنهم  يعتقدون أن ما يريدون كتابته ليس ما يريد الناس قراءته , كما أنهم يخافون  من عواقب الاصطدام بالمحظورات السياسية والاجتماعية  فيفضلون السير  بجوار الحائط ويكتبون ما يوافق معتقدات العامة ,  ويخضعون للآراء السائدة   ويكتبون أعمالا تجارية  تحقق لهم النجاح السريع , وربما تكون كتبهم جيدة من الناحية الفنية ولكنها ليست عظيمة لأنها مصنوعة وليست حقيقية إنها لم  تنبع من داخلهم حقا ولم تعبر عن مبادئهم وقناعاتهم لأنهم كتبوها من أجل الناس وليس من أجل أنفسهم. أما الكتاب الذين يتملكون الشجاعة على قول الحقيقة والتعبير عن أنفسهم بصراحة وصدق فإنهم يستطيعون أن يصلوا إلى عقول وقلوب القراء, فالعمل الأدبي الأكثر صدقا هو الأكثر تأثيرا والأطول عمرا.

ياسمين خليفة 2/24/2015
الكتابة للجميع

وقعت عيني بالصدفة على هذا الإعلان  في صفحة إحدى المكتبات على الفيسبوك
" تعتذر المكتبة عن قبول كتب جديدة بسبب هشاشة المحتوى".
 أضحكتني عبارة هشاشة المحتوى لكني لم أندهش من إعلان المكتبة عن رفضها لقبول كتب جديدة, فمن يرتاد المكتبات أو معارض الكتاب بشكل عام  سيندهش من الكم الهائل من الكتب أغلبها لأسماء جديدة  تحمل عناوين غريبة  وأغلفة عصرية ملفتة  ولكن ماذا عن المحتوى؟ والسؤال الأهم  هو لماذا ازدادت أعداد الأدباء خلال السنوات  الأخيرة بهذه السرعة  رغم أن معدل القراءة لم يرتفع كثيرا؟ .
يعتقد البعض أن  زيادة  حجم الإنتاج الأدبي ودخول عدد كبير من الشباب لمجال الكتابة الأدبية  دليل على ازدهار المواهب الأدبية ولكني  أرى أن هذه الظاهرة لها سببين.
السبب الأول هو  أن العصر الذي نعيش فيه  يتيح لأي شخص أن يطلق على نفسه لقب كاتب أو أديب, فيكفي أن يكون لديه  مدونة  أو  حساب على مواقع التواصل الاجتماعي  وحبذا لو كان شخص خفيف الظل ولديه القدرة على كتابة القفشات والبوستات الساخرة و سيجد عددا لا بأس به من القراء والمتابعين.
السبب الثاني هو أن طريق النشر  لم يعد عسيرا كما كان من عشر سنوات  بعد  ظهور عدد من دور النشر  الحديثة التي  ترفع شعار الكتابة  للجميع فأصحاب هذه الدور يتخذون النشر وسيلة للربح السريع و هم دائما على استعداد لنشر أي عمل أدبي  حتى لو كان مستواه متواضعا طالما أن صاحب العمل يملك المال اللازم لدفع ثمن طباعة وتوزيع كتابه, رغم أن طريقة النشر هذه  تعطي  للأدباء  الفرصة  لتحقيق حلمهم ورؤية أسمائهم مطبوعة  إلا أنها تؤدي  إلى صدور عدد كبير من الأعمال الأدبية دون المستوى كما أنها تضر على المدى البعيد بالأدباء الناشئين لأنها تحرمهم من فرصة  تنمية موهبتهم حتى تنضج ويكون لديهم عملا يستحق النشر فعلا.
قد يعتقد البعض أن كثرة عدد الأدباء الجدد أمر صحي وأن العملة الجيدة تطرد العملة الرديئة والبقاء في النهاية سيكون للأفضل ولكني أرى أنه  وسط هذا الضجيج الأدبي من الصعب  على القارئ أن يميز بين الكتاب الجيد والسيئ خصوصا مع اختفاء  دور النقد والاعتماد على قائمة الأكثر مبيعا والتي تكون في كثير من الأحيان مضللة, فالأكثر مبيعا ليس بالضرورة هو الأفضل و هناك أعمال أدبية تحقق مبيعات عالية فقط لأنها تتناول موضوعات مثيرة للجدل تتحدى عادات وتقاليد المجتمع أو لأن أصحابها لديهم علاقات قوية في الوسط الأدبي والإعلامي مما يسهل عليهم الترويج لأنفسهم.
أعتقد أن هذا الانفجار الهائل في عدد الإصدارات الأدبية سينتهي بعد أن يدرك أصحاب دور النشر الحديثة أن نشر كل هذه الكتب بدون قراءتها وتقييمها سيحقق لهم خسارة فادحة على المدى البعيد حتى لو حقق لهم مكسبا  سريعا لأن المضمون الأدبي الجيد  هو الطريق الوحيد لتحقيق نجاح حقيقي.  

ياسمين خليفة 1/10/2015

يمكنك أن تقرأ أيضا

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...